المبحث الثالث: صلاة الخوف
الخوف سبب مستقل في وجوب قصر الصلاة كالسفر سواءً صليت جماعة أو فرادى. والمراد به: ان الصلوات اليومية الرباعية تصبح ركعتين كما في السفر على ما سيأتي. والأحوط وجوباً ان يكون الخوف خارجياً لا من مرض ونحوه وان يكون خوفاً على النفس لا ما دونه وان يكون احتمال الخطر معتداً به. وان يكون قصر الصلاة مؤثراً ولو احتمالاً بالتخلص من الخوف أو في قلته. وفي خلاف ذلك لا يكون الخوف سبباً للقصر والأحوط عندئذ استحباباً الجمع بين القصر والتمام مع الإمكان.
ومعه يكون لصلاة الخوف أحد ثلاث معان كلها صحيحة شرعاً:
الأول : الصلاة اليومية المقصورة بسبب الخوف.
الثاني : صلاة ذات الرقاع وهي التي تصلي جماعةً قصراً لدى الحرب.
الثالث : صلاة شدة الخوف. وهي الصلوات اليومية مقصورة، ولكن بالإيماء، ومع ترك الاستقبال والاستقرار ونحو ذلك.
ونتكلم فيما يلي عن النوعين الثاني والثالث. وقد تبين ان الأقسام الثلاثة كلها في الصلوات اليومية وكلها حال الخوف وكلها بصفة القصر. وكلها يمكن ان تكون في جماعة. غير انه تتعين ذات الرقاع للجماعة ولا تصدق بدونها، وقد تتعين صلاة شدة الخوف بدون الجماعة، فيما لو تعذرت صورة اقامتها.
(مسألة 1030) : صلاة ذات الرقاع مقصورة في حالة الحرب المخوفة وان لم تكن بشرائط الخوف السابقة.
(مسألة 1031) : شرائط ذات الرقاع مضافاً إلى ما سبق ما يلي:
اولاً: ان يكون العدو في جهة القبلة.
ثانياً: ان يكون فيه قوة لا يؤمن ان يهجم فيها على المسلمين.
ثالثاً: ان يكون في المسلمين كثرة يمكن ان يفترقوا طائفتين، تكفي كل واحدة لمدافعة العدو خلال إقامة الصلاة.
رابعاً: ان لا يحتاج الامام إلى تفريقهم اكثر من فرقتين.
(مسألة 1032) : كيفية هذه الصلاة ان ينقسم الجيش فرقتين فرقة تقف باتجاه العدو تحاذر هجومه على المصلين ويبدأ الإمام صلاة الجماعة مع الطائفة الأخرى، فان كانت الصلاة ثنائية وهي الصلوات المقصورة والصبح. صلى بالأولى ركعة وقام إلى الثانية، ويبقى واقفاً قبل القراءة وينوي من خلفه الانفراد لزوماً ويتمون صلاتهم ويستقبلون العدو وتأتي الفرقة الأخرى للصلاة والإمام لا زال واقفا مصلياً فيحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهم في اولاهم فيقرأ بهم ويستمر في صلاته فإذا جلس للتشهد جلس ساكتاً وقام المأمومون واتوا بالركعة الثانية حتى إذا جلسوا للتشهد تشهد الإمام بهم وسلم.
(مسألة 1033) : ان كانت ركعات الصلاة ثلاثة كان الامام مخيراً بين ان يصلي بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين وان شاء صلى بالاولى ركعتين وبالثانية ركعة.
(مسألة 1034) : تحصل المخالفة بين صلاة ذات الرقاع وصلاة الجماعة الاعتيادية من جهات: منها انفراد المامومين لزوماً وهم الطائفة الاولى، ومنها : توقع الامام للماموم لزوماً وهو انتظار الامام للطائفة الثانية، ومنها : إمامة القاعد للقائم وذلك في الركعة الثانية من الطائفة الثانية، ومنها طول انتظار الامام خلال الصلاة مرتين مرة خلال القيام ومرة خلال التشهد، وفي وجه آخر: ان كل هذه الفروق وان قال بها المشهور إلا انها قابلة للمناقشة وليس الان محل تفصيله.
(مسألة 1035) : كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم يلحقه حكم الشك في الجماعة كجواز رجوع الامام إلى المامومين وبالعكس، وكل سهو حصل حال الانفراد يكون محكوما بحكم المنفرد فان كان في الركعات كان مبطلاً لان الصلاة ثنائية وان كان في الافعال شمله ماقلناه في احكام الشك وفي مبطلات الصلاة.
(مسألة 1036) : إذا سها الامام سهواً يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه فإذا سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه.
(مسألة 1037) : اخذ السلاح واجب في هذه الصلاة بنص القرآن الكريم ولو عصى ولم يحمل سلاحاً اثم ولم تبطل صلاته.
(مسألة 1038) : يجوز ان يكون على السلاح نجاسة إذا كانت حاصلة من الحرب على الطريقة القديمة. واما غيرها من النجاسات فلا، هذا بلحاظ حكم هذه الصلاة، والا فانه مشمول بحكم المحمول والملبوس الذي لا تتم فيه الصلاة، ولو كان السلاح ثقيلا يمنع شيئا من واجبات الصلاة لم يجز حمله.
(مسألة 1039) : لا فرق في وجوب الحمل وفي جواز النجاسة التي قلناها بين السلاح القديم والحديث مما يحمل على الجسد عادة غير ان كون منشأ النجاسة من الحرب في السلاح الحديث نادر الوقوع.
صلاة شدة الخوف
(مسألة 1040) : المهم في مثل ذلك حصول الخوف الشديد وعدم إمكان إيجاد الصلاة الاختيارية والصلاة لا تسقط بحال. ويجب الاتيان بها على كل حال، فيجب ان يأتي الفرد بالصلاة حسب امكانه واقفاً أو ماشياً أو راكباً ويستقبل القبلة في تكبيرة الاحرام ثم يستمر ان أمكنه والا استقبل في الصلاة بما امكن وصلى مع التعذر إلى اي الجهات امكن والأحوط اختيار الاقرب إلى القبلة فالاقرب.
(مسألة 1041) : يجب تاخير هذه الصلاة إلى قريب نهاية الوقت مع توقع زوال الخوف أو قلته مالم يثق أو يطمئن بحصول الوفاة فتجب المبادرة إلى الصلاة عندئذ. وإذا لم يحصل كلا الامرين فاللازم قصد الرجاء في الصلاة فان زال السبب كان الأحوط الاعادة. ولو نوى عندئذ بالنية الجزمية لم يصح مع الالتفات وصحت مع الغفلة والنسيان ووجبت الاعادة مع ارتفاع السبب في الوقت على الأحوط دون خارجه.
(مسألة 1042) : إذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا. فان استطاع الصلاة من قيام في واسطة نقله كالسفينة فعلها، وان لم يستطع صلى ايماءاً برأسه، وان لم يستطع فبعينيه والأحوط استحبابا ان يرفع ما يسجد عليه مع الامكان والأحوط استقبال القبلة بما أمكن من الصلاة ايضا مع الامكان وخاصة بتكبيرة الاحرام.
(مسألة 1043) : إذا لم يتمكن من الصلاة موميا صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر. بادئاً بالتكبير قبلها.
(مسألة 1044) : إذا لم يتمكن حتى من ذلك، كالغريق والمحترق ونحوهما، صلى بالنية مع الامكان. فان استطاع النية التفصيلية بان ينوي التكبير وينوي الركعات واحدة بعد اخرى وجب ذلك، وان لم يتمكن من ذلك اتى بما امكن واكتفى بالنية الاجمالية.
(مسألة 1045) : إذا صلى ايماءً فارتفع خوفه خلال صلاته اتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها ولا يستأنف، وكذا لو صلى بعض صلاته ثم عرض عليه الخوف لم يجز قطع الصلاة، وخاصة آخر الوقت، بل صلى الباقي ايماءً أو بحسب امكانه.
(مسألة 1046) : إذا خاف من سيل أو سبع أو لص، فان كان في اول الوقت جاز التأخير بل لزم كما سبق وان كان في اخر الوقت صلى صلاة شدة الخوف.
(مسألة 1047) : من توهم شدة الخوف، فصلى صلاة شدة الخوف. أو توهم الخوف فصلى قصرا ثم انكشف بطلان وهمه، فالاحوط الإعادة في الوقت دون خارجه. ومثله لو اقبل الخطر فصلى موميا لشدة خوفه ثم بان هناك حائل يمنع العدو.
(مسألة 1048) : المتوحل والمقيد والمتورط بهدم ونحوه يصلي حسب الامكان إلا ان ذلك لا يكون سببا للقصر مالم يكن في سفر أو خوف.
(مسألة 1049) : لا تسقط سائر شرائط الصلاة مع الامكان، فان لم يتمكن من الوضوء تيمم. وان عجز كان فاقدا للطهورين، والاقوى فيه ان يصلي على حاله في الوقت ويقضي خارجه عند توفّر الطهور.
(مسألة 1050) : لو توقع وجود العذر ايا كان فالاحوط الاستعداد للصلاة بالطهارة من الحدث والخبث وإباحة اللباس وغير ذلك. وخاصة فيما إذا كان داخل الوقت. وانما يجوز ذلك مع الاضطرار دينيا او دنيويا، والا لم يجز الدخول في موارد العذر.
(مسألة 1051) : صلاة ذات الرقاع لا تتعين في آخر الوقت بل يجوز إيجادها في أوله، ولا يجب إعادة الصلاة مع حصول الأمان بخلاف صلاة شدة الخوف كما سمعنا.
(مسألة 1052) : قد تسمى صلاة الآيات بصلاة الخوف، باعتبار انها تجب للمخاوف السماوية والارضية، إلا ان قصد ذلك خلالها مخالف للاحتياط الوجوبي.