مقدمة : في وجوب الخمس وآثاره

كتاب الخمس

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

في وجوب الخمس وآثاره

الخمس من الفرائض المالية المهمة التي حُفِظ بها كيان الدين الإسلامي ومدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم) خاصة، وسيّرت به شؤونها عبر القرون في اكتفاء ذاتي صممه الشارع المقدّس لتُصان العقيدة والمبادئ من التذويب في سياسة السلطات الحاكمة والتبعية لإرادتها التي كانت تفرضها بقوة السلطة والمال. ولذا كان هاجس وصول هذه الأموال إلى أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم) يقضّ مضاجع الحكّام ويدفعهم إلى مداهمة دور الأئمة (سلام الله عليهم) وتفتيشها واستدعاء الأئمة (عليهم السلام) إلى مقر السلطة لاستجوابهم كما حصل مرات عديدة، وجففوا المنابع المالية لأهل البيت (عليه السلام) وصادروا ممتلكاتهم المهمة ومنعوا في وقت مبكر من صدر الإسلام وصول حق بني هاشم من الغنائم إليهم.

وتلافياً للاصطدام مع السلطة وحماية للشيعة فقد اسقط عدد من أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم) حقهم من الخمس في أموال المؤمنين وسكتوا عن مطالبة الناس بهذا الحق إلا في حدود ضيّقة مدة قرنين من الزمان حتى أواخر حياة الإمام الجواد (عليه السلام) (الذي استشهد سنة 220 هجرية) فحدد الإمام (عليه السلام) الأحكام العامة لهذه الفريضة، كما ورد في معتبرة يونس بن يعقوب قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت وأنّا عن ذلك مقصرون، فقال ابو عبد الله (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) .

وقد ورد وجوب الخمس صريحاً في القران الكريم بقوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}) الأنفال41(، ويراد بالغنيمة مطلق ما يستفيده الإنسان ولا تختص بغنائم الحرب، قاله الراغب في المفردات وغيره، وأكدته موثقة سماعة قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: (في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) وغيرها.

وقد اجمع علماء الفريقين على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعمل بها فيخصّ قرباه من بني هاشم بالخمس حتى وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم منعه القوم عن مستحقيه من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعلوهم كغيرهم (راجع الكشّاف في تفسير هذه الآية ومسند أحمد وغيرها من الصحاح) وقد عبّر الأئمة (عليهم السلام) عن لوعتهم لهذه المخالفة الصريحة للكتاب والسنة فعن أبي جعفر الأحول قال: قال أبو عبــد الله (عليه السلام) (ما تقول قريش في الخمس، قال: قلت تزعم إنه لها، قال ما أنصفونا والله لو كان مباهلة لتباهُلنّ بنا ولئن كان مبارزة لتبارُزن بنا ثم يكون هـــم وعلي سواء).

لقد تعرّض وجوب الخمس لحملة واسعة من التشكيك والتضليل وتزييف الحقائق لمنع الناس من أداء هذا الحق إلى أهله لينسفوا هذا الركن الوثيق الذي يستند إليه هذا الكيان الإسلامي الحنيف من أجل بقائه وديمومة مشاريعه المباركة.

فقالوا: إن الخمس واجب في غنائم الحرب فقط أو انه كان واجبا في زمان النبي (صلى الله عليه واله) دون غيره، وقد اتضح مما تقدم الجواب عن مثل هذه الإشكالات.

كما أننا ألقينا محاضرة قبل سنين بعنوان (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر) وهي منشورة في كتاب (ثلاثة يشكون) وطبعت مع تعليقات في كتاب مستقل يحمل نفس العنوان شرحنا فيها عظمة هذه الفريضة وسبب عزوف الناس عنها وآثارها المادية والمعنوية وكيفية معالجة التقصير في أداء هذه الفريضة.

إن الالتزام بأداء هذه الفريضة الإلهية يعود ببركات عظيمة على الفرد والمجتمع، أما على الفرد فما قاله الامام الجواد (عليه السلام) في صحيحة علي بن مهزيار (إن مواليَّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمتُ ذلك فأحببتُ أن أطهرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا، قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 103- 105)، فدفع الحقوق المالية يطهّر الإنسان من البخل والشح والأنانية وحب الدنيا ويعلّمه التراحم والتعاون ويطهّر ماله لان المتبقي بعد دفع الخمس يكون له حلالاً هنيئا، ويزكو عمل الانسان وينمو بزيادة من الحسنات لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ)(البقرة: 261)، وقد وعد الله تبارك وتعالى بالخلف والتعويض لمن انفق في سبيل الله فيعود إليه ماله بأزيد مما أعطى مع ما حصل عليه من ثواب الآخرة، قال تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39).

وأما بركاتها على الكيان الديني والمجتمع عموماً فمما لا يحتاج إلى بيان.

وفي مقابل ذلك فان التقصير بأداء هذه الفريضة ينتج آثاراً وخيمة:

منها: ما ورد في الرسالة الثانية من الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد (رضي الله عنه) الموجودة في كتاب الاحتجاج حيث رتّب (عليه السلام) على ذلك أمرين:

1- تأخير ظهوره (عليه السلام) وبما يعني استمرار معاناة البشرية من الظلم والاضطهاد والتعسف والانحراف والضلال وكثرة مستحقي النار من البشر.

2- عدم الأمان من الفتن المضلة لأن رايات ضلال عديدة تخرج قبل ظهور القائم (عجل الله فرجه) - وقد كثرت اليوم أكثر من أي زمانٍ مضى- وتخلط الأوراق على الناس فيتيهون ولا يستطيعون التمييز بين راية الحق وراية الباطل، وقد عبّر أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام عن مخاوفه من مثل تلك الفتنة وسأل عن كيفية النجاة والإصابة في التمييز بين هذه الدعوات المختلطة فقال (عليه السلام): (والله إن أمرنا لأبين من الشمس)، ومن مقومات هذا الوضوح بحسب ما أفادته الرسالة الشريفة ـ أداء الحقوق الشرعية.

ومنها: ما ورد في حق مانع الزكاة حيث أن جميع ما ورد من التهديد والوعيد لتارك الزكاة ينطبق على تارك الخمس بوجهين.

1- إن كليهما فريضتان ماليتان والغرض منهما واحد بل إن أمر الخمس اخطر لتعلق حق أهل البيت (عليهم السلام) وذرياتهم فيه بعد أن حُرّمت عليهم الزكاة قال الصادق (عليه السلام) (إن الله لا إله إلا هو لما حرّم علينا الصدقة أبدل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة)، وإنما صار الاهتمام بالزكاة في صدر الإسلام لما قلناه من أنّ طبيعة الحياة الاقتصادية يومئذٍ كانت مورداً لوجوب الزكاة.

2- إن كثيراً من موارد ذكر الزكاة أريد بها معناها الأعم، أي مطلق الإنفاق الواجب في سبيل الله تعالى، أي عموم الحقوق الشرعية لا خصوص الزكاة المصطلحة كما قد يعبّر عن الزكاة الواجبة بالصدقة في مثل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها. . . ) (التوبة : 60 )، ومما جاء في مانع الزكاة الشاملة لمانع الخمس بالتقريب المتقدم ما ورد عن أبي جعفـــر (عليه السلام) قال: (ما من عبدٍ منع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (آل عمران: 180)، (يعني ما بخـلوا به مـن الزكاة).

ويتخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إجراءً في حق مانعي الزكاة بإخراجهم من المسجد كما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان، حتى أخرج خمسة نفر فقال: (اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وانتم لا تزكّون) وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً) وفي وصية  النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) قال: يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة وعدَّ منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا علي ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة وعدَّ منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا علي من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا بمسلم ولا كرامة، يا علي تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا وذلك قوله عز وجل: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون: 99).

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24)